Kamal Ghazi's profile

الهجرة واللجوء إلى أوروبا (2015)

الأزمة السورية في الاتحاد الأوروبي
قبل 4 أعوام، لم يكن الوضع في سوريا كما اليوم. كانت الوجوه سعيدة ويعتريها الأمل، والمعتصمون المطالبين برحيل الأسد يتطلعون إلى مستقبل أفضل، مقتدين بثورتي تونس ومصر. تعنَّت الأسد تجاه مطالبات الرحيل، وأفرط في القوة إزاء تجمعات الاحتجاج. وبعد أن سالت الدماء، فُتح الطريق أمام مقاومة مسلحة، انخرط فيها الجيش السوري الحر، جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق آنذاك، الذي استطاع في غضون عامين الاستحواذ على مناطق حيوية في شمال سوريا، واكتسح التنظيمين الآخرين من طريقه، من ثم تحول إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش/الدولة الإسلامية في العراق والشام).
أجبرت الحرب في سوريا ما يربو على4 ملايين شخص على النزوح إلى دول مجاورة، سجلت تركيا 1.9 مليون لاجئ، أكثر من أي بلد آخر. وفي لبنان يتواجد قرابة 1.2 مليون لاجئ من سوريا، ما يعادل واحدا مقابل خمسة لبنانيين. ويستضيف الأردن 650,000 لاجئ، قرابة 10% من إجمالي ساكنيه، والعراق الذي شهد نزوحا داخليا لثلاثة ملايين شخص على مدى ثمانية عشر شهرا، استقبل 249,463 لاجئا من سوريا. وقبل اندلاع الهجرة إلى أوروبا، وصل إلى مصر 132,375 شخص.
بين العامين 2014 و2015، تضاعف عدد المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط بأربع مرات. تم تسجيل ما يزيد عن 900 ألف لاجئ سوري، يمثلون أكثر من 53 بالمئة من عدد الوافدين، يليهم الأفغان ثم العراقيون. يسلك المهاجرون طريق الهجرة غير الشرعية الأقصر مسافة والأبخس ثمنا، طريق عال المخاطر إلى حد كبير. يتسللون عبر البحر الإيجي الصغير بين تركيا واليونان، ويقطعون الحدود بين دول جنوب شرق القارة، متجهين إلى الشمال وبلدان الوسط، التي تشهد تباطؤ في متوسط النمو للعام الخامس على التوالي، من 4.6 بالمئة في 2010-2011 إلى 0.2 بالمئة.
على مدى العام 2015، رصدت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، مبلغ 68,101,847 دولارا، من أجل برنامجين للاجئين والمهاجرين معدومي الجنسيات. تم توزيع المبلغ على كل من بلجيكا 16,035,518 دولار، المجر 14,886,811 متضمنة 1,191,163 دولارا لإعادة إدماج اللاجئين، كما حصلت إيطاليا على 22,900,267 دولار، والسويد 5,483,728. بالإضافة إلى 8,795,521 دولار للأنشطة الإقليمية، التي ضمّت النمسا، فرنسا، ألمانيا، أيرلندا، هولندا، سويسرا والمملكة المتحدة.
في إحصائية أُعدت لشهرأكتوبر 2015، قبلت ألمانيا 57,000 من طالبي اللجوء السوريين (103,708)، يُتوقع قبول معظمهم. تعمل ألمانيا على تسكين اللاجئين، وتمنحهم راتبا للإعاشة يقدر بـ143 يورو (152 دولار)، ضمن إطار خطة تمتد لخمس سنوات. لكن الدول التي يترجَّل إليها المهاجرون من البحر، دول شرق أوروبا – الشيوعية سابقا – تعارض علنا نهج ألمانيا في التعاطي مع الأزمة، وصرح الرئيس التشيكي بأن طريقة ألمانيا “فتحت الباب أمام الهجرة غير الشرعية”. على أن الأزمة قد تحولت لمعضلة لا مندوحة عن التصدي لها، ينذر الانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي بتصعيد قريب للأمور، بما يتماشى مع الظروف الاقتصادية والديموغرافية الراهنة.
تعرضت جموع اللاجئين إلى اعتداءات ومحاولات متكررة لعرقلتهم، خاصة في منطقة شرق أوروبا التي يهبطون إليها، وفي المجر تحديدا، الذي يروّج قلقا اقتصاديا – ديموغرافيا واسعا، تجاه استمرار تدفق المهاجرين واللاجئين. في حين تعتزم ألمانيا توفير 6.7 مليارات يورو إضافية بداية من العام الحالي، تغطية لتكاليف الرعاية اللازمة لللاجئين من المال العام.

أزمة اللاجئين اليمنية
C:\Users\Speed\Downloads\2010_Yemen_refugees.jpeg
تتدفق الهجرة المختلطة من طالبي اللجوء والمهاجرين عبر اليمن، الذي يأوي 246,000 لاجئا مسجلا بالفعل (95 بالمئة منهم صوماليون). أغلب طالبي اللجوء مهاجرون إثيوبيون، يشكلون ثلاثة أرباع الوافدين، حتى النصف الأول من عام 2014. منح اليمن حماية مؤقتة للاجئين سوريين في أغسطس 2014، أتاحت لهم الحصول على الخدمات المعدة للاجئين الآخرين، إذ يُتوقع على ذلك ارتفاع عدد اللاجئين السوريين المسجلين، الذين لا يزال معظمهم غير مسجل لدى مفوضية شئون اللاجئين (UNHCR)، ما عدا 2,000 شخص فقط، حتى منتصف عام 2014.
بقيادة السعودية تحالف “عاصفة الحزم” وشنها الحرب البائسة على اليمن، اضطرت 1.5 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم، أي ما يقارب 6 بالمئة من إجمالي السكان. والسبب أن حدة الصراع “في خمسة أشهر فقط جعلت اليمن يبدو مثل سوريا بعد خمس سنوات”، كما أفاد رئيس الصليب الأحمر الدولي. ما انفك 1.2 مليون نازحا داخليا، وقرابة 250,000 لاجئ في حاجة إلى المساعدة، في ظروف تجعل من العسير الوصول إليهم. في نفس الوقت، تعاني فيه استجابة المفوضية الطارئة داخل اليمن من نقص خَطِر في التمويل، فلم تحصل سوى على 23% من المبلغ المطلوب، المقدر بـ105.6 مليون دولار.
أظهر بيان مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 100,000 شخص قد فروا من اليمن، منذ بدأت قوات التحالف في قصف البلاد، منذ شهر مارس الماضي. حول هذا تجاوز عدد الوافدين إلى المفوضية العدد المتوقّع لعام 2015؛ 3,210 شخص منذ مارس، بما فيهم من 2,500 صومالي و706 يمنيين. وهناك حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 570,000 دولار، من أجل تأمين التسجيل والنقل وتوزيع المساعدات الطارئة، استجابة لهذا الارتفاع السريع في عدد اللاجئين الحضريين.
وفي الصومال حلَّ أكثر من 28,000 يمني، حصلت المفوضية على 5 بالمئة فقط من التمويل المطلوب، الذي يبلغ 64 مليون دولار. وإلى جيبوتي وصل 21,726 شخص حتى نهاية شهر يوليو، من بينهم 9,953 مواطنا يمنيا، أي 46 بالمئة، و9,946 شخصا إضافيا، هم مواطنون عابرون من بلدان أخرى، و1,827 شخص، أي 8 بالمئة، عائدون جيبوتيون.
في عمان تم تسجيل 5,000 شخص من جنسيات مختلطة، وصلوا منذ بدء النزاع. وفي السعودية تم تسجيل 30,000 يمني، و9,880 من بلدان أخرى، لا يزال 4,204 منهم يقيمون داخلها، بينما عبر الباقون إلى بلدان أخرى؛ مثلا وصل إلى السودان 271 شخص. خلال ما يزيد قليلا عن أربعة أشهر في كافة أرجاء المنطقة، بلغ إجمالي عدد الوافدين من اليمن إلى البلدان المستقبلة عدد 98,176.

الهجرة الجماعية في مصر
عندما شنت الولايات المتحدة حربها على العراق في العام 2003، نجحت في إقصاء الجيش العراقي عن إدارة شئون البلاد، الذي كان يحكم قبضته على الاقتصاد لعقود، عاملا على وأد أي نشاط اقتصادي لا يخضع تماما للرقابة الحكومية الصارمة. تلك المركزية في إدارة الاقتصاد حجبت نمو أي اقتصاد مواز، حين أصاب البلاد التضخم الكلي بعد الحرب. شهدت مصر نموذجا مصغّرا، عقب ثورة يناير 2011. عانى المصريون من نقص مرهق في السلع الأساسية، وندرت في أشهر قليلة لاحقة، ولم تكن الشريحة الأفقر من المصريين قادرة على مواكبة الارتفاع المتزايد في أسعار السلع القليلة المتوفرة. لم تطل تلك المرحلة، ولم تتحول إلى تضخم كلي على مستوى الاقتصاد، رغم أن الأسعار لم تهبط إلى سابق عهدها، بفضل الاقتصاد غيرالرسمي، الذي تمثل في السوق السوداء والمشروعات الصغيرة التي استطاعت النفاذ من إطار القانون. مثل ذلك الفضاء الضيق كان كافيا لإنقاذ مصر من السقوط في هوة العراق.
يشكل الاقتصاد غير الرسمي نسبة تصل إلى 50-60 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المصري. لكن دوره يتوقف عند استمرار ارتفاع الأسعار بشكل متزايد، وفي غضون سنوات قليلة سينضب بسبب عدم استطاعته خلق جبهة قادرة على التصدي للركود، الذي يتزامن في هذا الوضع مع التضخم السريع للأسعار. في الواقع، أن الاضطرابات الأمنية كفيلة بإحداث تدهور تدريجي على مستوى الاقتصاد، كما أثبتت التجربة المصرية على مدى خمس سنوات. فمنذ العام 2011 إلى الآن، تشرّد أكثر من 250 ألف أسرة داخل مصر، وجاءت الاحتجاجات العمالية (أكثر المتضررين) رافعة رايات السخط في عدة محافظات كبرى، كالمحلة الكبرى والإسكندرية والسويس وسيناء.
ترجح الاضطرابات التي تعصف بالواقع المصري، وقوع الكارثة على الانفراج. من المحتمل أن تتفجر ثورة جديدة في مصر، ستهدد الاقتصاد بشكل جذري إذا لم يقدر البنك المركزي على ضبط التداول النقدي. ومن هنا، سوف تُفتح أبواب التضخم الكلي، وسيقود سريعا إلى ندرة السلع الأساسية واختفاء السلع الأخرى. وعند انعدام السلة الغذائية، وهبوط مستوى المعيشة دون الحد الأدنى، ستزيد نسبة المصريين الباحثين عن مغادرة البلاد بشكل جماعي.

الخلاصة
إن حلول اللاجئين بمنطقة ما، له تأثيره الواقع على الاقتصاد بشكل أساسي. بطريقة أو بأخرى، يأخذ اللاجئون دورهم في عملية التداول النقدي بشكل متوال، ابتداء من تلبية الحاجات الأساسية ولوازم النجاة قصيرة الأمد، إلى تأسيس سوق صغيرة لإنتاج السلع الإثنية التي تخص موطنهم على المدى الطويل. بانخراط المجتمعات الصغيرة الوافدة في أنشطة اقتصادية غير مسجلة في دفاتر الدولة، فإن تفاقم غياب المعلومات لدى الأجهزة الحكومية، سوف يعسِّر من إمكانية إخضاعها إلى قوانين الضرائب. وتفاقم وضع مماثل يسفر عن مخاطر جسيمة، بمجرد عدم استيعاب سوق العمل للأعداد الجديدة، ما يعجّل من تدهور الاقتصاد وزيادة معدلات البطالة وانتشار الفقر.
من الممكن أن أقول بأن الدول التي اتخذت موقفا إيجابيا تجاه اللاجئين، تتجنب تفاقم حالة مماثلة في المستقبل القريب. فضلا عن تقدير بعض الدول لحاجتها المستقبلية من وفرة الأيدي العاملة. وتفعيل الرعاية المناسبة للاجئين، بالإضافة إلى تسكينهم وإتاحة العناية الصحية، إلى جانب تهيئة سوق العمل لاستيعاب الأعداد الجديدة، من المرجح أن تتحقق زيادة ملحوظة في إجمالي الناتج المحلّي.
وسط هذه الظروف، أجد من المستبعد أن يقدم اللاجئون السوريون على سبيل المثال، أصحاب العدد الأكبر من طالبي اللجوء، على مغادرة أوروبا والعودة إلى بلد بذل البعض حياته من أجل الخروج منه. بل ربما يقاومون سبل الترحيل إذا ما فُرضت عليهم. وعليه، إما تجمعهم كوميونات المخيّمات، متسببة في مشكلاتها الديموغرافية الاعتيادية، وإما يتفرقون جماعات بحثا عن الرزق بعيدا عن تكتلات اللجوء. في وقت تصارع أوروبا تضخم الأسعار، مترقبة تبعات الموقف اليوناني، ناهيك عن ارتفاع معدل البطالة، ومواجهة واحد من أربع أشخاص لخطر الفقر؛ كل ما يعزز من توقعات تعميم التقشف.
الهجرة واللجوء إلى أوروبا (2015)
Published:

الهجرة واللجوء إلى أوروبا (2015)

Published: